
صفقة رابحة أم صفقة مباركة؟ البوصلة الأخلاقية لرواد الأعمال
كل رائد أعمال يعرف هذه اللحظة. تلك اللحظة التي تسبق إغلاق صفقة مهمة، ويأتيك فيها صوتان: صوت يهمس لك: "أخفِ هذا العيب الصغير، اضغط قليلاً، قل أي شيء لتتم الصفقة وتحقق الربح". وصوت آخر، أهدأ، يسأل: "هل هذا هو الصواب؟ هل هذا يرضي الله؟".
في رحلتي الطويلة في عالم الأعمال، تعلمت أن هناك فرقًا شاسعًا بين "الصفقة الرابحة" و "الصفقة المباركة". الصفقة الرابحة قد تملأ جيبك اليوم، لكن الصفقة المباركة تملأ عملك وحياتك بالبركة والنمو المستدام غدًا.
النجاح الحقيقي ليس في تحقيق الأرباح فقط، بل في كيفية تحقيقها. هذه ليست مجرد موعظة، بل هي استراتيجية عمل أؤمن بها، وقد رأيت نتائجها بفضل الله مرارًا وتكرارًا. إليك بوصلتي العملية للتفريق بينهما.
1. الأساس: الصدق الكامل أم المعلومات المنتقاة؟
أساس أي تعامل هو الصدق. الصفقة المباركة تُبنى على الشفافية والوضوح التام.
- الصفقة الرابحة: قد تميل فيها إلى إخفاء عيب بسيط، أو تلميع صورة المنتج بشكل مبالغ فيه، أو عدم ذكر معلومة قد تجعل العميل يتردد.
- الصفقة المباركة: تلتزم فيها بالصدق الكامل. تشرح للعميل نقاط القوة والضعف بوضوح، وتكون شفافًا في كل التفاصيل. أنت لا تبيع منتجًا، بل تبني ثقة.
مبدأ للتأمل: هذا ليس مجرد مثاليات، بل هو وعد نبوي بالبركة. قال رسول الله ﷺ: "فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما". البركة مرتبطة ارتباطًا شرطيًا بالصدق والبيان.
2. الهدف: الربح للطرفين أم الربح على حساب الآخر؟
النية خلف الصفقة تحدد مسارها.
- الصفقة الرابحة: قد يكون هدفك الأساسي هو أن تربح أنت، حتى لو كان ذلك على حساب العميل بشكل طفيف (بأن تدفعه لشراء ما لا يحتاجه، أو ببيع جودة أقل بسعر أعلى).
- الصفقة المباركة: هدفك هو تحقيق قيمة حقيقية للطرفين (Win-Win). أنت تسعى بصدق لمساعدة العميل على حل مشكلته، والربح الذي تحققه هو نتيجة طبيعية ومستحقة لهذه المساعدة.
منهجيتي في التفكير: أسأل نفسي دائمًا: "هل هذه الصفقة تضيف قيمة حقيقية للعميل؟ هل سيشعر بالرضا بعد إتمامها؟". إذا كان الجواب "لا"، فغالبًا ما تكون صفقة رابحة لي وحدي، وهذا طريق غير مستدام.
3. الأثر: علاقة ليوم واحد أم شراكة للمستقبل؟
انظر إلى ما بعد لحظة توقيع العقد أو استلام المال.
- الصفقة الرابحة: غالبًا ما تكون علاقة قصيرة الأمد. قد يشعر العميل لاحقًا أنه لم يحصل على أفضل قيمة، وقد لا يعود للتعامل معك مرة أخرى.
- الصفقة المباركة: هي بداية لعلاقة طويلة الأمد. العميل الذي يشعر بالرضا والصدق في التعامل سيتحول إلى مسوق لك، يعود مرارًا وتكرارًا، ويرشحك لغيره. هذه هي البركة الحقيقية في النمو.
الخلاصة: اختر البركة، يأتيك الربح
اختيار الصفقة المباركة على الصفقة الرابحة فقط، ليس تضحية بالربح. بل هو استثمار في أثمن أصولك على الإطلاق: سمعتك، وراحة ضميرك، وبركة مالك ووقتك.
عندما تبني عملك على أساس من الصدق والأمانة وتقديم القيمة الحقيقية، فإن الربح يأتي كنتيجة حتمية، لكنه يأتي ومعه توفيق وبركة من الله، وهذا ما لا يمكن لأي مال أن يشتريه.
أسئلة شائعة

محمد ربيع
مستشار تطوير أعمال وتسويق استراتيجي بخبرة تزيد عن 20 عاماً، متخصص في مساعدة رواد الأعمال وقادة الشركات على تحقيق النمو المستدام.
تعرف على المزيد →مقالات قد تهمك

ثقافة الشركة المرنة: كيف تبني شركة تتكيف وتزدهر في عالم متغير؟
في عالم الأعمال اليوم، التغيير هو الثابت الوحيد. النجاح لا يعتمد فقط على منتجك، بل على قدرة شركتك على التكيف. تعلم كيف تبني ثقافة مرنة تشجع على الابتكار والنمو المستدام.

فن التفاوض: 5 مبادئ لإبرام صفقات ناجحة بأمانة وقوة
التفاوض ليس مجرد مهارة، بل هو فن ضروري لنجاح شركتك الناشئة. تعلم كيف تبرم صفقات تحقق أفضل النتائج، ليس فقط بالذكاء، بل بالحكمة والأخلاق لبناء علاقات تدوم.